نشرت صحيفة “إندبندنت” تقريرا أعده بورزو دراغاهي، حول انزلاق تونس نحو الديكتاتورية، قائلا إن التونسيين مسؤولون عن الوضع في بلادهم إلى جانب المجتمع الدولي. فقد كان لديهم وعلى مدى السنوات، مهمةٌ واحدةٌ هي تخفيف حدة اليأس الذي قاد إلى ثورة عام 2011 والتي أطاحت بالديكتاتور زين العابدين بن علي، وقيادة أنجح تجربة ديمقراطية في العالم العربي.
وتم تحذير صناع السياسة في تونس، بشكل متكرر على مدى السنوات السابقة، إلى أن المشاكل الاقتصادية والقرارات المالية السيئة، تبدد إيمان الرأي العام بالديمقراطية، وأدت لتحول البلد إلى منطقة تفرخ اليأس، وعودة الديكتاتورية.
وأضاف الكاتب أن على الغرب، خاصة فرنسا والولايات المتحدة، الشعور بالخجل لأنهم سمحوا للنموذج العربي للديمقراطية بالانحدار إلى قصة مثيرة حول الإهمال الدبلوماسي.
وربما كانت تونس النموذج للعالم العربي، فلديها طبقة متوسطة متعلمة، و مجتمع منسجم ومتحضر من 12 مليون نسمة. بل حتى الإسلاميين، كانوا يحاولون التحول إلى ديمقراطيين. وقال سيف الدين فرجاني، المحلل التونسي المقيم في بريطانيا: “حتى لو لم تدعم شيئا من السهل تصحيحه، فهذا لا يعطي صورة جيدة عن جلب الديمقراطية إلى العالم العربي”، و”حتى جاء الناس الذين نخشى منهم، وادّعوا أنهم يريدون الديمقراطية”.
وانتُخب قيس سعيد للرئاسة عام 2019، وتم دفعه نحو السلطة من خلال الأخبار الزائفة حول منافسيه عبر منصات التواصل الاجتماعي والمشاعر المعادية للديمقراطية التي تم الترويج لها عبر القنوات التلفزيونية التي مولتها دول الخليج، التي ظلت الحليف والشريك الثابت للغرب.
وادّعى سعيد أنه سيصحّح الحكم ويفرض حكم القانون، ويعيد البلاد إلى المسار الحقيقي. ومثل أي حديقة، بدأ بتغيير مسار البلاد، وتقييد الحقوق وتهديد الصحفيين، واعتقال المعارضين وتطهير المؤسسات الرئيسية من الرموز البارزة. ومن بين الذين اعتقلهم، كان زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي الذي لعب دورا في معاناة البلد الديمقراطية.
إلا أن الرئيس البالغ من العمر 65 عاما، كان أسوأ من الطغاة المعروفين. فعلى الأقل، حافظ حكام تونس الديكتاتوريين على حقوق المرأة، وروّجوا لنوع من الآراء الليبرالية الاجتماعية. لكن سعيد اتسم بالتعصب والشوفينية، فقد حاول الحد من حقوق المرأة، ودفع بالدستور الذي كان إسلاميا أكثر من الدستور الذي تم إعداده بمساعدة الإسلاميين التونسيين.
وتحت إشرافه، تدهور الوضع الاقتصادي في تونس، ورفض المساعدة المحتملة من المجتمع الدولي عندما زعم أن التقارير عن معاناة الناس هي مجرد أخبار زائفة. كما رفض اتفاقية محتملة مع صندوق النقد الدولي الشهر الماضي.
وبدلا من معالجة آلام شعبه، شن الرئيس التونسي حملة تطهير ضد المهاجرين من دول الصحراء، وصدم العالم بمواقفه العنصرية التي خلقت أزمات دبلوماسية مع دول أخرى القارة الأفريقية، أدت لهروب أصحاب البشرة الداكنة من تونس. وحاول سعيد بطريقة غير مرتبة التراجع عن محاولات اتهام الأفارقة بالسيطرة على البلد، كما يقول دعاة نظرية “الاستبدال العظيم” العنصريون.
لكن ليست هذه المرة الأولى التي يطلق فيها سعيد تصريحات سامة، فقبل عامين، سُمع في مقطع فيديو وهو يصرخ أن “اليهود” هم خلف الاحتجاجات ضد حكمه المتقلب. وفي 9 ماي، وبعد مقتل يهوديين في معبد بجزيرة جربة، مع ثلاثة حراس، حاول سعيد في البداية منع نشر الأخبار، وإلقاء اللوم على حزب النهضة المعتدل، مع أنه عارض تصنيف جماعات متطرفة مثل أنصار الشريعة كجماعات إرهابية، وهي مسؤولة في السابق عن عمليات إرهابية. وحاول استبعاد الطابع المعادي للسامية للحادث، واعتباره مجرد عمل إجرامي. وكان أحد القتلى فرنسي الجنسية، بشكل دفع السلطات الفرنسية لفتح تحقيقها المستقل.
وربما لم يفتح سعيد النار، ولكنه يستحق بعض اللوم لأنه ساهم في خلق المناخ السياسي والاجتماعي الذي سهّل حدوث مأساة كهذه، بحسب الكاتب.
وملأ الرئيس سعيد الخدمات الأمنية بالموالين له، والذين وكّلهم بملاحقة أعدائه بدلا من الحفاظ على الأمة وحمايتها. وقال فرجاني: “المشكلة هي غياب المحاسبة والمصداقية”، و”هذه شعبوية تونسية، حيث يحبذ سعيد السرد على الحوار، والهجوم الإرهابي هو إشارة”.
لقد تدهورت تونس من ذلك اليوم المبهج في 14 يناير 2011 عندما خرج التونسيون إلى جادة الحبيب بورقيبة في العاصمة تونس ودعوا للديمقراطية. لكن سعيد والغرب لم يكونوا مسؤولين عن هذا الانزلاق. فمن خلال استهلاكهم الأخبار المزيفة ورفضهم الحوار مع معارضيهم السياسيين، وفشلهم بالمشاركة في الانتخابات أو التصويت للمرشحين الذين يعكسون هويتهم وليس مصالحهم، فإن التونسيين خذلوا أنفسهم.